قائد استطلاع الفرقة 19: العدو خدعنا في 67 فخدعناه بقوة في 73





08/10/2007
حوار اخوان اون لاين


اللواء عادل زكريا:
- اليهود كانوا يلعبون الكرة عندما اتخذنا قرار الحرب!
- الصهاينة هربوا من النقاط الحصينة وتهربوا من التجنيد في خط القناة
- اكتشفنا خطة العدو مبكرًا وعلمنا أنه سيستخدم النابالم
- السادات غيَّر اسم جبل المر إلى "الفاتح" بعد عملية ناجحة لقواتنا

حوار- عبد المعز محمد
عقب هزيمة يوينو 1967 توجَّهت أصابع الاتهام لجهاز الاستطلاع بالقوات المسلحة، وحمَّله البعض مسئولية الهزيمة؛ لأنه لم يقدم المعلومات الوافية التي كانت كفيلةً ليس بانتصارنا ولكن بعدم هزيمتنا على الأقل بهذا الشكل، إلا أن الأمر اختلف تمامًا بعد النكسة، وبدأ الاستطلاع المصري يوجه الضربات الواحدة تلو الأخرى في فترة الاستنزاف، وكانت الضربة الكبرى في الساعة الثانية وخمس دقائق ظهر يوم السبت السادس من أكتوبر 1973م العاشر من رمضان 1393هـ.

ولأهمية الدور الذي قام به جهاز الاستطلاع التقى (إخوان أون لاين) مع اللواء أركان حرب عادل زكريا قائد استطلاع الفرقة 19 أثناء حرب أكتوبر ثم قائد استطلاع الجيش الثالث، وأستاذ كرسي الاستطلاع بأكاديمية ناصر العسكرية، وكان هذا الحوار:
* حمَّل كثيرٌ من المحللين جهازَ الاستطلاع مسئولية نكسة 67 لعدم تقديمه المعلومات الكاملة عن العدو للقيادة، فما صحة ذلك؟!
** لم يكن الاستطلاع ضعيفًا في يوم من الأيام؛ لأن مهمة الاستطلاع الأساسية هي الحصول على المعلومات، وفي 67 وعلى مستوى العمليات الحربية كان الاستطلاع كاملاً ومتكاملاً، ولكن أوضاع القوات المسلحة لم تكن جاهزةً للمعركة، فهناك نسبة كبيرة من جيشنا كانت باليمن ولم يكن بسيناء سوى نسبة ضئيلة.

وأعتقد أن هذا هو الذي أثَّر في نتيجة المعركة، في الوقت الذي كان العدو يستعد لهذه الحرب بعد 56 مباشرةً، وخرج بنتيجة مهمة، وهي أن القوات الجوية هي التي تحسم أيَّ معركة، ولذلك استخدم العدو كل قوته الجوية في ضرب قواتنا.

* هل معنى ذلك أن قرار الحرب كان خطأً؟!
** لا يمكن أن نقول ذلك؛ لأننا لم نبدأ بالهجوم، واليهود قاموا بعملية خداع، وأشاعوا أن الحشد على الجانب السوري، إلا أنه كان على الجانب المصري.

عمليات الخداع
* هذا يجعلنا نؤكد ضعف دور الاستطلاع؟!
** على المستوى الإستراتيجي قام الاستطلاع بدوره ولكن كما قلت فإن القوات المسلحة لم تكن بقوة المعركة، إضافً إلى أن عمليات الخداع التي تمَّت كانت أكبر من مستوى "إسرائيل"، بل ومن مستوى مصر؛ لأنها كانت عملية خداع دولي غربي وأمريكي و"إسرائيلي" مشترك بدأت قبل 67 بفترة، وتحديدًا عندما جذبونا لحرب اليمن، وزرعوا الفتنة بين مصر والسعودية، وبدأ الأمر بدخول سرية من قواتنا المسلحة لليمن، وانتهى بأن كان الجيش كله هناك، وقيامه بعمليات كبيرة كنا في غنى عنها، إضافةً إلى المصروفات الهائلة التي أُنفقت على هذه المعارك.

* وهل اختلف الأمر بعد نكسة يونيو؟!
** أريد أن أوضح أن مسألة الحصول على المعلومات قبل النكسة لم تكن من خلال جهاز مستقلّ، وهو الاستطلاع، بل كانت ضمن أعمال المخابرات الحربية والعامة، وهو الأمر الذي دفع القيادة العامة لتشكيل جهاز الاستطلاع بعد النكسة مباشرةً على أن يكون تابعًا للمخابرات الحربية، وأصبح هناك تخصصٌ ملحوظٌ للاستطلاع، وتنوعت اختصاصاته ما بين تكتيكي وتعبوي وإستراتيجي، وله مهمة محدودة، وهي الحصول على المعلومات في أرض المعركة ومسرح العلميات، إضافةً إلى أي معلومات إستراتيجية خاصة بالأسلحة والعمليات؛ مما يعني أن الاستطلاع كان مختصًّا بالنواحي العسكرية الصرفة.

دور الاستطلاع
* متى بدأ تحديدًا عمل جهاز الاستطلاع؟!
** بداية حرب الاستنزاف كانت إعلانًا لبداية جهاز الاستطلاع بالقوات المسلحة المصرية، وقد تم اختياري وقتها رئيسًا لاستطلاع الفرقة 19 بالجيش الثالث الميداني، وبدأ عمل استطلاع الفرقة في الحصول على المعلومات الخاصة بإنشاء النقاط القوية للعدو على طول خط القناة وقوات العدو بجميع تخصصاتها البرية والجوية والبحرية، وكانت مهمتنا هي رصد التحركات وتصوير هذه النقاط والحصول على أسرى، وبالفعل استطعنا في فترة وجيزة معرفة جميع النقاط القوية التي كانت على طول خط القناة، وتحديد أعمال قتال للنقاط القوية والاحتياطات القريبة والبعيدة، والأسلوب المتوقع لإدارة العدو لعملياته بشرق القناة، وبالفعل نجحنا في تنفيذ ذلك.

وكان للمعلومات التي حصلنا عليها دورٌ بارزٌ في خطة العبور، وكان للعمليات التي قُمنا بها تأثير واضح في ضعف الروح المعنوية للعدو، ويكفي أن الجندي الصهيوني كان يندب حظَّه إذا كانت خدمته على خط قناة السويس.

* كيف كان لهذا الدور أهميته؟
** كنت في طريقي للمرور على بعض بعض نقاط الملاحظة على الضفة الغربية بالتعاون مع اللاسلكي فوجدت تدريبًا لقوات العدو بدأ بتمثيل مجموعة منهم عبورنا القناة، ثم إطلاق النيران على قواتنا، ثم قيام القوات الجوية بضرب قواتنا، وتحرك الاحتياط لتنفيذ العمليات المضادة، أي أننا شاهدناهم يطبقون خطةً دفاعيةً كاملةً كانوا سيستخدمونها لو عبرت قواتنا القناة.

ومن متابعتي للتدريب عرفت أنهم سيركِّزون على القوات الجوية بالتنسيق مع الاحتياطي، فأخبرت على الفور القيادة بما رأيته، وأوضحت لهم الخطة كاملةً، وما هي نقاط القوة والضعف فيها، ثم بدأت القيادة في الاستفادة من هذه المعلومات وكيفية التغلب عليها، وهو ما قمنا به في 73؛ حيث عزلنا قوات العدو الجوية عن نقاطه الجوية بقناة السويس، بفضل حائط الصواريخ الذي تم إنشاؤه على جبهتنا، والذي أعطانا فرصةً قويةً لتدمير نقاط العدو القوية على طول خط القناة، وأصبحت هذه النقاط ما بين أسير وقتيل، بل إن بعضهم هرب من هذه النقاط تاركًا وراءه كل أسلحته ومعداته.

* ممَّ كانت تتكون هذه النقاط القوية؟
** كانت عبارة عن نقاط محصَّنة من رمال وخرسانة ومتاريس، وفيها ما بين 10 جنود إلى 100 جندي بكامل أسلحتهم، وفي كثير من الأوقات كان معهم أسلحة الهاون وقاذفات الطائرات المحمولة على الأعناق.

ساعة الصفر
* لقد كانت ساعة الصفر يوم 6 أكتوبر مفاجأةً للعدو، فكيف أعددتم لها؟!
** العبور كان مفاجأة إستراتيجيةً وعسكريةً في وقت واحد، فمن الناحية الإستراتيجية أعلن الرئيس السادات أننا لسنا جاهزين للحرب، وأعلنا عن قصور في القمح، وأن الحالة المادية سيئة؛ مما أعطى انطباعًا عالميًّا بأن الحرب مستحيلة من جانبنا.

أما من الناحية العسكرية فقبل الحرب مباشرةً بدأت القوات المصرية تُجري تدريباتٍ لعبور قناة السويس، فعبَّأ العدو قواته واحتياطه، ثم أنهينا التدريبات، ففكَّ العدو تعبئته، فقمنا بنفس التدريبات مرةً أخرى، فعبَّأ العدو قواته مرةً ثانيةً، ثم سحبنا قواتنا ففكَّ العدو تعبئته، ثم قُمنا بالتدريبات للمرة الثالثة إلا أن العدو لم يهتم بها واعتبرها تدريباتٍ عاديةً لأنه كان في كل مرة يتحمَّل تكلفةً باهظةً؛ لأن قواته هي ذاتها القوة البشرية التي تعمل في مصانعه ومزارعه.

كما قمنا قبل ذلك بتسريح الجنود وفكّ الرديف؛ مما جعل الجميع في حالة يقين بأننا لن نخوض الحرب، حتى إن بعض القادة المصريين كان عنده نفس الاعتقاد؛ ولذلك فنحن عبرنا القناة واليهود يلعبون الكرة، ولم يستطيعوا استخدام المواد الحارقة الموجودة في الأنابيب التي لغَّموا بها قناة السويس؛ مما يؤكد نجاح الخداع العسكري الذي قامت به قواتنا، وكانت صدمة العدو أن تبدأ المعركة بهذه القوة، وأن تستولي قواتنا على بعض النقاط القوية في ساعات محدودة؛ مما أعطى دفعةً معنويةً لنا وهبوطًا لأعدائنا، خاصةً بعد أن وقفت قواتهم الجوية عاجزةً عن القيام بأي ردٍّ؛ لأننا جهَّزنا "دشم" الدفاع الجوي مرةً واحدةً ودون أن يشعروا..أضف إلى ذلك أن العدو لم يكن لديه أي احتمالات للهزيمة، وسأضرب لك مثالاً؛ حيث كانت قوات العدو في عيون موسى تصب علينا نيرانها المكثفة كل يوم قبل العبور، وكانت تضرب مصانع ومعامل تكرير البترول بالسويس، وعندما عبرنا هربت هذه القوات إلى العريش، تاركةً وراءها أسلحتها ومعداتها، وقد اكتشف هروبها دوريةُ استطلاع بقيادة ملازم أول، ولك أن تتخيل كم كانت ستكلِّفنا هذه النقاط من الذخيرة والقوات لكي نقتحمها ونحررها من العدو.

خط بارليف
* كان للاستطلاع دورٌ بارزٌ في اكتشاف خط بارليف والتعامل معه فكيف كان هذا الأمر؟

عبور القوات المصرية لقناة السويس** في صباح أحد الأيام كنت أمرُّ على النقاط القوية لأراقب حركة العدو، فأخبرني أحد الأفراد باللاسلكي أن اليهود كانوا في مياه القناة طوال الليل، وكانوا يقومون بشيء ما فتتبعت حركتهم، ووجدت أن هناط خطًّا مرسومًا من نقطة قوية بشرق القناة إلى قناة السويس، ووجدت حفرًا وردمًا، وأن هناك ماسورةً في المياه فذهبت على الفور لرئيس أركان الفرقة، وهو اللواء عاطف عبد الجبار، فقال لي طالما أن هناك ماسورةً في المياه فلا بد أنها إما تسحب شيئًا أو تضخ شيئًا، وبلغنا هذا التحرك على الفور لإدارة المخابرات، ولم يأت العصر حتى فوجئنا بهم يجرِّبون النابالم في مياه القناة، ورموا قنبلة فسفورية بالقناة فاشتعلت فاكتشفنا أنهم يجرِّبون إنشاء خط بارليف، وأنهم سوف يستخدمون النابالم إذا عبرنا القناة، وشاء الله أن تكون المياه قويةً وقت تجربتهم؛ لأن النيران رُدَّت إلى الشاطئ مرةً أخرى، ولم يحدث انتشار للنيران فانكشف مخططهم وبدأنا نضع في خطتنا استخدام العدو للنابالم وقت العبور، وأحمد الله أنني اكتشفت هذا التخطيط الصهيوني.

أسرار الثغرة
* إذا كان الاستطلاع قد نجح في فترة الاستنزاف وفي الاستعداد لحرب أكتوبر فلماذا فشل في كشف الثغرة؟
** عندما حدثت الثغرة كنت وقتها في مركز القيادة، وقد حصلنا على مخططات تؤكد عبور العدو في وسط الجيش الثاني، إلا أن هذه المعلومات قوبلت باستهزاء من بعض المسئولين؛ بحجة استحالة حدوثها، ثم جاءتنا ونحن في مركز القيادة إشارة من اللاسلكي بأن دبابتين برمائيتين تعبران القناة عن طريق البحيرات وأعطوا تمامًا لقيادتهم ثم بدأت تحركات أخرى للعدو، وقامت بإنشاء رأس كوبري على شاطئ القناة، فأرسلنا إليهم فصيلة لتردهم، ثم سارية، ثم كتيبة، وحدثت اشتباكات، إلا أن المعركة لم تحسم لعدة أمور: أهمها عدم وجود قوات احتياطية في غرب القناة، بعد أن أرسلها الرئيس السادات للمعركة وبناءً على استغاثة الجانب السوري، وقد كانت هذه الخطة موضع الخلاف بين الرئيس السادات والفريق سعد الدين الشاذلي، الذي رأى في عبور الاحتياطي للقناة خطرًا على الجبهة المصرية، وهو بالفعل ما استغله العدو للقيام بثغرة يستطيع من خلالها تدمير خط الدفاع الجوي!!

No comments: