قصة هيئة العلماء في برنامج الإخوان بقلم الدكتور رفيق حبيب




تركز الهجوم على برنامج الإخوان الذي طرح على مجموعة من الكتاب لإبداء الرأي ، عن دور هيئة كبار العلماء فيما يخص التشريع ، أي دورها مع المجلس التشريعي . ولقد حدد البرنامج في الجزء الخاص بالأزهر الشريف ، تشكيل هيئة كبار العلماء والتي تقوم بانتخاب شيخ الأزهر وأكد البرنامج في الجزء الخاص بالتشريع أن هيئة كبار العلماء نفسها يجب أن تكون منتخبة من علماء الدين وأن تكون مستقلة عن السلطة التنفيذية .



وبهذا هدف البرنامج أولا إلى استقلال الأزهر الشريف عن السلطة التنفيذية استقلالا كاملا .

وهو ما يجعل لرأي العلماء استقلاله عن جميع السلطات، ويجعله قائما على مايصل له علمهم من رأي دون أي ضغوط خارجية. واستقلال الأزهر وشيخه وهيئة كبار العلماء ، يمنع السلطة التنفيذية من توظيف الرأي الديني لمصلحتها ،ويحرمها من التأييد الشرعي المستمر الذي تحظى به في حالة سيطرتها على المؤسسة الدينية .

وهذا الوضع يختلف عن الوضع الحالي حيث إن مجمع البحوث الإسلامية ومؤسسة الأزهر نفسها تتبع السلطة التنفيذية وشيخ الأزهر معين من قبل رئيس الجمهورية .

وعندما يؤخذ رأي مجمع البحوث الإسلامية في موضوع ما لا يمكن أن يأتي رأيه مستقلا عن رغبة السلطة التنفيذية وأيضا عندما يؤخذ رأي شيخ الأزهر يصعب أن يكون رأيه مخالفا لرأي السلطة التنفيذية إذن ما حققه برنامج الإخوان في هذا الجزء هو استقلال الأزهر الشريف مما يؤدي إلى استقلال الرأي الديني عن رغبات السلطة التنفيذية .

أما على صعيد التشريع فقد كان هدف البرنامج الأساسي أن يحدد آلية للتشريع فيما يخص تطبيق الشريعة الإسلامية أو جعل مبادئ الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع ، كما نص الدستور في المادة الثانية. فالبعض يسأل عن فكرة تطبيق الشريعة أو الاتزام بها ، ومن يكون له الحق في تحديد ما يتوافق مع الشريعة الإسلامية وما يختلف معها ، وكان من المهم في برنامج يقوم على مرجعية الشريعة تحديد الإجراءات المتبعة في التشريع ، حتى يتحقق الالتزام بالشريعة الإسلامية .

ولقد تبنى برنامج الإخوان الآلية الموجودة الآن بالفعل ، ففي الواقع الراهن يقوم مجلس الشعب بعرض القانون قبل إقراره على مجمع البحوث الإسلامية لأخذ الرأي و أحيانا تقوم الحكومة بعرض القانون الذي تقترحه على مجمع البحوث الإسلامية.

وفي الواقع الحالي يكون القانون المقترح من قبل الحكومة غالبا هو ما يوافق عليه مجمع البحوث الإسلامية وهو مايوافق عليه مجلس الشعب في نهاية الأمر وذلك بسبب أن مؤسسة الأزهر نفسها جزء من السلطة التنفيذية كما أن هذه السلطة تهيمن على مجلس الشعب من خلال الأغلبية .

وفي الوضع الراهن يحق لمن يقيم دعوى تتعلق بقانون معين أن يطعن في دستوريته أمام المحكمة الدستورية العليا فإذا كان القانون مخالفا لأي نص في الدستور بما في ذلك المادة الثانية من الدستور الخاصة بالشريعة الإسلامية ، فتحكم المحكمة ببطلان القانون وتطلب من السلطة التشريعية وضع قانون آخر.

تلك هي الآلية الراهنة والتي اتخذها برنامج الإخوان بعد أن جعل هيئة كبار العلماء بديلا عن مجمع البحوث الإسلامية وجعلها هيئة منتخبة ومستقلة وجعل المؤسسة التي تنتمي إليها الهيئة وهي مؤسسة الأزهر مستقلة أيضا وجعل شيخها منتخبا . ولكن البرنامج أضاف تعديلا آخرعلى الواقع الراهن بأن طلب من المجلس التشريعي عرض كل القوانين على هيئة كبار العلماء لمعرفة رأيها . وهذا الاختلاف يعني اهتمام البرنامج بمعرفة علاقة القانون بالشريعة الإسلامية وهل يتعارض معها ، مع العلم بأن رأي الهيئة في النهاية هو مجرد رأي استشاري . وقد يكون للهيئة أكثر من رأي أو يكون لها رأي يحدد بعض الأسس والقواعد ، دون رأي نهائي في القانون نفسه . وهنا وجدنا البعض يفسر فكرة عرض القوانين كلها على الهيئة ، بأنها نوع من الوصاية للهيئة على المجلس التشريعي وهذا أمر لم يقصد بل ماقصد يمثل فرقا بين برنامج الإخوان والوضع الراهن . فالنظام الحالي يلتزم بالشريعة الإسلامية انتقائيا ،أي عندما يقرر هذا وبالتالي يختار القوانين التي تعرض على مجمع البحوث الإسلامية ، وتلك التي لا تعرض عليه .

وهنا نجد نقطة مهمة يمكن مناقشتها وهي عن أهمية عرض كل القوانين على هيئة كبار العلماء خاصة مع اختلاف الأغلبية الحاكمة في المجلس التشريعي والتي يمكن ألا تكون راغبة في أخذ رأي العلماء في الاعتبار ، وعليه يمكن النظر في مسألة طلب رأي العلماء ، وعلى أية حالة فالرأي في النهاية استشاري وبالنسبة لجماعة الإخوان والتي يقوم برنامجها على الالتزام بالشريعة الإسلامية ، سيكون رأي العلماء بالنسبة لها مهماً ، رغم أنه استشاري أيضا . وهنا رأي البرنامج أنه على المجلس التشريعي إقرار القانون بالأغلبية ولكن عليه عدم مخالفة رأي قطعي الدلالة والثبوت وهذا التعبير ربما كان مصدر بعض الاتباس رغم أنه لم يكن في صيغة إجراء بل في صيغة رأي موجه للمجلس التشريعي . فهذا الأمر جعل البعض يتساءل عمن يملك تحديد الحكم القطعي ، فإذا كان هيئة كبار العلماء ، عندئذ أصبح لهم سلطة تتجاوز الرأي الاستشاري . وبالنسبة لأصحاب الاتجاه الإسلامي نجد لديهم قناعة بأن الحكم القطعي معروف ومحدد ولكن في البرنامج السياسي يجب تحديد الإجراء ، وهنا يصبح الإجراء أن المجلس التشريعي هو صاحب القرار ، وهو الذي يحدد ما إذا كان رأي العلماء يقبل أم يرفض وما إذا كان عن حكم قطعي أم ظني . وبهذا تستقيم الصياغة من خلال التأكيد على ان رأي العلماء استشاري وايضا التأكيد على ان استشارة العلماء في أمور تخص الشريعة الإسلامية هي جزء من استشارة المتخصصين في أي أمور أخرى كعملية مساندة للمجلس التشريعي . مع ملاحظة أن النص أكد على أن على العلماء أخذ رأي أهل الاختصاص ، كإجراء ضروري وحدد أن رأيهم - وهذه نصيحة من صاحب البرنامج - يجب أن يأتي مرتبطا بسياق الموضوع أي مرتبط بظروف الواقع . ثم أكد البرنامج على دور المحكمة الدستورية العليا ولكنه أضاف لكل مواطن الحق في الطعن على دستورية القوانين وهو ما يعني تفعيل دور المحكمة الدستورية في وقف القوانين المعارضة للدستور . وقرر البرنامج في حالة قيام رئيس الجمهورية بإصدار قانون في غيبة المجلس النيابي ، أن يستشير هيئة العلماء أيضا .

هذا ما أراده البرنامج وضع آلية لتطبيق مرجعية الشريعة الإسلامية تؤكد على أن المجلس التشريعي هو وحده صاحب القرار التشريعي وأن رأي العلماء مهم ولكنه استشاري ، والمحكمة الدستورية العليا هي صاحبة الرقابة الوحيدة على القوانين ورقابتها لاحقة .ولكن ردود الفعل على هذا النص ذهبت بعيدا ، لدرجة أن بعضها اعتبر النص محاولة لتقليد ولاية الفقيه لدي الشيعة وأن النص يعطي حق الرقابة للعلماء على الحكومة ورئيس الجمهورية والقوانين ، وهذا أمر يخرج تمام عن النص ويتعارض مع فكر الإخوان المسلمين ويتعارض مع آليات العمل داخل جماعة الإخوان ويتعارض مع فكر أهل السنة والجماعة ولذا فهو احتمال غير وارد أساسا . وكل ما قيل عن دولة الفقهاء والدولة الدينية أمر يخرج عن النص وعن المعنى المقصود له بل إن بعض الالتباس الحادث في النص لا يسمح بالقول بولاية الفقيه ، ولا بسلطة للعلماء . والبعض تصور أن هذا النص ، مع غيره ، يمثل عودة لسيطرة تيار على آخر داخل جماعة الإخوان المسلمين ، وبدأت كرة الثلج تبني تفسيرات على تفسيرات حتى بعدت تماما عن النص الأصلي .

والحقيقة أن كاتب هذه السطور هو صاحب الاقتراح بإضافة هذا الجزء ، وأنا أقول هذا لسبب واحد فقط ، وهو الـتأكيد على أن ما ذهبت إليه التعليقات بعيد تماما عن الحقيقة ، فكان المقصود من الاقتراح التأكيد على أن عملية تطبيق الشريعة تجري بنفس قواعد التشريع المعمول بها والتي تجعل الأمة مصدر التشريع من خلال نوابها المنتخبين . أما الاعتراض على دور العلماء فقد كان جزء منه رغبة في ألا يكون للعلماء أي دور حتى دور الناصح وأظن أن دور العلماء سيبقى ، فعليهم النصيحة .

No comments: