هل تراجع الإخوان؟ بقلم الدكتور رفيق حبيب


04 / 10 / 2007
أظن أن حالة الجدل حول برنامج الإخوان، سوف تكون في النهاية مرحلة مهمة للجماعة وللمناخ السياسي العام، فالجدل حول الأفكار والبرامج يخرجنا من الحديث حول الصراعات السياسية الحادثة، للحديث عن أفكار للمستقبل. وما قدمته جماعة الإخوان المسلمين، يقترب من المسودة الكاملة للقضايا التي يثيرها تطبيق المشروع الإسلامي في الوقت الراهن.
وحول ما طرحته الجماعة من أفكار، نحتاج لجدل مثمر يصل بنا لتصورات جديدة، ويثري فكر الجماعة، كما يثري الفكر السياسي بالقضايا الأساسية للمشروع الإسلامي، باعتباره أحد الأطروحات الهامة في الحياة السياسية في البلاد العربية والإسلامية.
صحيح أن الكثير من الجدل دار حول الهجوم على البرنامج وعلى نقاط معينة فيه، مما يؤثر سلبا على حالة الحوار المطلوبة، ولكن حالة الجدل في نهاية الأمر، تكشف في الواقع عن العديد من المشكلات في فكرنا السياسي، خاصة تلك المشكلات المرتبطة بالمفاهيم السياسية المتأثرة بالتجربة السياسية الغربية، وتلك المرتبطة بالمشروع السياسي العلماني الغربي، خاصة عندما تقارن بالمفاهيم السياسية الخاصة بالمشروع الإسلامي.
ومن أهم تلك المشكلات في تصورنا، تلك التي ظهرت في بعض العبارات المستخدمة لنقد برنامج الإخوان المسلمين، والمتمثلة في القول بأن ما حدث هو عودة للخلف، وأنه ردة، وانتكاسة كبرى، ودخول في النفق المظلم، وغيرها من التعبيرات. والحقيقة أنني تساءلت عن معنى العودة للخلف، وما هو الأمام إذن، وكيف يتجه الفرد للأمام، ويتجنب الرجوع للخلف. ففي هذه التعبيرات العديد من الدلالات المهمة، والتي تكشف لنا في الحقيقة عن أزمتنا السياسية، وأزمة فكرنا السياسي.
فالآراء التي اتهمت جماعة الإخوان المسلمين بالعودة للخلف والتراجع، قامت على نقد البعد الإسلامي في البرنامج، واعتبرت أن الصياغة ذات المدلول الديني، وكذلك الحديث عن دور للعلماء في التشريع، رغم أنه دور استشاري، وقالت بعض الآراء أنه أكثر من كونه دورا استشاريا، وهذا غير حقيقي، والحديث عن الوظائف الدينية للدولة، والتي تتمثل في مهام يقوم بها رئيس الدولة، كل هذا وغيره يمثل عودة للخلف. وهنا علينا ضبط المعيار، فالتقدم للأمام يتمثل في طرح أراء جديدة، ويمكن القول بأن برنامج الإخوان لم يأت برأي جديد، بل طرح رؤيتهم المتفق عليها في صوره متكاملة، وهذا غير دقيق. ولكن المشكلة أن المقصود بالتراجع، كان يعني في رأي المنتقدين، التراجع عن الديمقراطية والدولة المدنية، والعودة للدولة الدينية. ولكن جماعة الإخوان لم تدعو في يوم من الأيام للدولة الدينية، لأنها فكرة تتعارض مع الإسلام نفسه، وهي فكرة مرفوضة تاريخيا وعلميا. وبالتالي مازالت جماعة الإخوان ملتزمة بالدولة الإسلامية، وهي بالتعريف المتفق عليه تاريخيا، دولة مدنية. فهل تراجع الإخوان عن الديمقراطية؟
الواضح من قراءة نص البرنامج، أنه في الغالب الأعم أكد على مختلف آليات العمل الديمقراطي، بصورة كلية وصورة جزئية وتفصيلية، وهو ما يعني أن البرنامج يمثل التزاما من الجماعة بكل آليات العمل الديمقراطي، وتأكيدا على أن الشورى تتحقق من خلال آليات العمل الديمقراطي، مما يعني أن الالتزام بالشورى يؤدي إلى التزام بالديمقراطية. وكل هذا يؤكد على أن الجماعة تتمسك بفكرة تطبيق النموذج الإسلامي السياسي من خلال آليات العمل الديمقراطي. وهنا نلمح من يقول بأن تلك الديمقراطية ناقصة، ونقصانها يعني أن الجماعة تراجعت للوراء.
ولكن ما هي الديمقراطية الناقصة؟ هي في الواقع الديمقراطية التي لا تسمح بتحقيق أن الأمة مصدر السلطات، وأنها هي التي تنتخب من تريد، وهي التي تحاسب وتساءل من تنتخبه. والبرنامج أكد على هذه المعاني بوضوح، ولكن البعض يرى مثلا أن قصر منصب رئيس الدولة على أفراد بخصائص محددة هو ضد الديمقراطية، وهذا غير دقيق، ففي كل مشروع هناك شروط لمن يتولى رئاسة الدولة، وتلك الشروط يعرضها كل تيار سياسي، ويختار على أساسها، والقرار النهائي يكون للناس.
والمشروع الإسلامي برمته، لا يمكن تطبيقه دون إجماع الناس عليه، وعندما تجمع الناس على ذلك المشروع، وتنتخب من يمثل هذا المشروع، إذا أجريت انتخابات نزيهة، يصبح اختيار المرجعية الإسلامية، قرارا شعبيا من خلال الانتخابات
وهنا علينا التفرقة بين رأي التيار السياسي، وآلية العمل السياسي. بمعنى أن لكل تيار رأيه، ولكن على كل التيارات الاتفاق على آلية الديمقراطية، بوصفها القاعدة المنظمة للعمل السياسي. وبهذا يكون المعيار الصحيح للحكم على برنامج الإخوان، من حيث قدرته على التكيف مع آليات العمل الديمقراطي وجعلها وسيلة لتحقيق الشورى التي يؤمن بها، تتمثل في ما حققه من ترسيخ لحق الأمة كمصدر وحيد للسلطات. وهذا الأمر تحقق بنسبة كبيرة، ولكن بسبب الشبهات التي تثار حول المشروع الإسلامي، ربما يحتاج الأمر بعض التأكيد.
فمشروع الجماعة يقدم رؤيتها ولا يفرض هذه الرؤية على أحد، ولا يفرضها على التيارات السياسية الأخرى، ولا يفرضها على النظام السياسي القائم، وبالتالي لا يفرضها على الناس. وهنا يكون البرنامج قد حقق الشروط الديمقراطية، وأكد على مدنية الدولة، وترك الحرية للناس للاختيار بين البدائل السياسية. ومع ذلك نرى من يقول بأن دور العلماء الاستشاري ووظائف الدولة الدينية(حراسة الدين)، تؤدي إلى هدم الديمقراطية. وهذا أمر غير حقيقي، لأن لكل تيار تصوره عن دور الدولة، والمهم أن تظل الدولة وكيل عن الأمة، وتظل الأمة قادرة على محاسبة الدولة. وهنا تبرز مشكلة حقيقية، أن بعض الآراء تعتبر التقدم والتراجع مقاسا على الديمقراطية والمدنية القائمة على العلمانية، أي فصل الدين عن الدولة.
وبرنامج الإخوان يقوم بالطبع على ربط الدين كمنظم أعلى للشأن العام والسياسي بالدولة. وهنا تبدو بعض الآراء، وكأنها ترى أن البرنامج قد أبعد جماعة الإخوان عن القبول الجزئي بالعلمانية، وبهذا تراجع الإخوان عن قبول العلمانية جزئيا، ولكن من قال أصلا أن الجماعة كانت بصدد قبول العلمانية جزئيا! الحقيقة أن الجماعة لم تتراجع عن موقفها بجعل آليات العمل الديمقراطي هي القواعد المنظمة للعمل السياسي.

No comments: