برنامج الإخوان .. وثيقة دخول للمأزق






خليل العناني من اسلام اون لاين





"لأول مرة منذ ثمانين عاما تطرح جماعة الإخوان المسلمين في مصر برنامجا حزبيا"، بهذا يفتتح الباحث خليل العناني - الباحث في شئون الحركات الإسلامية - بحثه عن برنامج حزب الإخوان المسلمين، معتبرا إرسال البرنامج للنخب بادرة إيجابية لإثبات حسن النية، لكن هذا لم يمنعه أن يرى في طريقة إذاعة البرنامج أنه قد تخللها لبس، حيث تم تمرير البرنامج بسرية تامة إلا من تسريبات هنا وهناك، وكان الأجدر أن يتم إعلان البرنامج على أصحابه الأصلاء: الشعب المصري، بنخبه وعوامه، عن طريق مؤتمر صحفي عام، ويصبح للجميع حق الإشادة أو حق التحفظ.
يرى العناني البرنامج أول وثيقة إخوانية تصدر بشأن حزب سياسي، وما عدا ذلك مجرد إعلان نوايا بأوراق سياسية لم تكتمل، وبالتالي صار للإخوان في رأيه معيار للاحتكام والمساءلة، ومؤشر للتطور واقتحام الحواجز.
الوثيقة ليست نبتا عفويا، بل يدفعها تاريخ من التجريب السياسي كما تؤكده الدراسة، بدأ بقرار الإخوان بدخول مجلس الشعب عام 1984، عبر حزب الوفد، حيث بزغت أولى قناعات العمل الحزبي، وضرورة تأسيس حزب من أجل التكامل والشمول، بحسب عمر التلمساني، الذي ترجم هذه الرؤيا عام 1986 في حزب الشورى، ثم تجددت في أوائل تسعينيات القرن الماضي مع حزب الإصلاح، لحقها محاولة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح التي أحيطت بالسرية، ثم حزب الأمل لصاحبه محمد السمان، والخامسة والأخيرة مشروع حزب الوسط الذي أثار جدلاً وانشقاقا.
ثم جاءت المحاولة الأخيرة في منتصف يناير 2007، حين أعلن المرشد العام للإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف عن نية الجماعة تأسيس حزب سياسي، وصفها العناني بأنها أقرب لرد الفعل على حملة التصعيد التي تعرضت لها الجماعة عقب أحداث جامعة الأزهر، أكثر من كونها تعبيرا عن مراجعة فكرية بضرورة وجود حزب سياسي يعبر عن الجماعة ويحقق طموحاتها السياسية، مشيرا إلى أنه في الغالب قد تلقى هذه المحاولة مصير ما لقيته سابقاتها.
ملاحظات شكلية وموضوعية
وفي تقييم الباحث للبرنامج قال: "يكاد يكون البرنامج أقرب لوثيقة "دينية" إرشادية (وعظية) أكثر من كونه برنامجا سياسيا برجماتيا، فهو إذ يستعرض الواقع المأزوم الذي تعيشه البلاد، يحاول ترسيخ فكرة "الحل الإسلامي"، بصيغته الفضفاضة، وليس من خلال رؤية سياسية "مدنية" واقعية".
وقد أوضح العناني ذلك من خلال بعض الملاحظات الشكلية منها:
- تصدير البرنامج بديباجة إنشائية تشرح الوضع المأزوم، وهو ما يعطي انطباعا بأن بقية البرنامج سيركز على تشخيص الواقع دون طرح رؤية واقعية لكيفية معالجة هذه الأوضاع المأزومة التي تعيشها مصر.
- تداخل المبادئ والسياسات وطرق المعالجة، عكس قدرا من التخبط وغياب الرؤية المتكاملة.
- عدم التوازن بين التعميم والتفصيل بين بنود البرنامج.
- هيمنة منطق الاحتراز والتحوط والتخوف من الوقوع في المحظور.
- الإفراط في استخدام مفاهيم واصطلاحات ليست محل خلاف، مثل: الحرية والعدالة والمساواة، التي جاءت غير واضحة، والشورى ومدى ارتباطها بالديمقراطية، والدولة المدنية ... إلخ.
وعن الملاحظات الموضوعية على البرنامج قال الباحث: "بدا حشر المادة الثانية من الدستور المصري التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ملفتا للنظر، فلا مبرر من الانطلاق من عنصر راسخ في الدستور".
ومن الملاحظات الموضوعية التي أخذها العناني على البرنامج:
- اهتم البرنامج بالإصلاح السياسي والدستوري، وكان الأجدر أن تتم إضافة "الإصلاح الديني" كمنطلق أساسي لبقية جوانب الإصلاح.
- سيطرة سمة التردد والغموض على بنود الحزب.
- تبدو الأهداف التي وردت في برنامج الحزب كما لو كانت تجميعا لشتات من الأمنيات الشاردة التي وُضعت في قالب واحد فانكشف نشازها، واتسامها بقدر من العمومية والتبسيط، يسهل على أي تجمع أو تنظيم سياسي أو أهلي أن يضعها كأهداف عامة لبرنامجه.
- خلا برنامج الحزب من الإشارة للوصول إلى السلطة، مع أنها هدف رئيسي لأي حزب سياسي.
- أي برنامج حزبي لا بد أن ينصرف إلى الجوانب العملية البراجماتية "برنامج سياسي مدني"، بعيدا عن مظلة السلوكيات والأخلاق، إلا أن برنامج حزب الإخوان انشغل في أهدافه بالتأكيد على نشر وتعميق الأخلاق والقيم الحقيقية لمبادئ الإسلام.
السياسات والإستراتيجيات
وفي تعليقه على الجزء الخاص بالسياسات والإستراتيجيات في برنامج حزب الإخوان، يقول الباحث: "هذا القسم يمثل حجر الزاوية في تقييم البرنامج الحزبي للإخوان؛ ذلك أنه يحدد طبيعة التفكير السياسي السائد داخل الجماعة، وقد عبر بشكل وافٍ عن مدى ضعف الخيال والتنظير السياسي داخل الجماعة، حيث يلاحظ أن البرنامج يرتكن إلى مقاصد الشريعة الإسلامية، وهو أمر يحتاج جهدا طائلاً من الجماعة لفهم وتقنين منهج المقاصد، ولا أظن أن الجماعة لديها الوقت للقيام بذلك".
ويتابع العناني: "كما أن النص على حماية مقاصد الشريعة يعني أن أحد أهداف الحزب الرئيسية تطبيق الشريعة، وهو هدف مسكوت عنه في البرنامج بشكل يبدو متعمدا، وكان الأولى الإعلان عن ذلك صراحة كما فعل حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن".
ويرى الباحث أن تأكيد الحزب على ضرورة تطبيق مرجعية الشريعة الإسلامية من خلال هيئة كبار علماء الدين يدشن لإقامة حكم ثيوقراطي يسلِّم رجال الدين أعنة السلطة، مما يضعنا أمام نخبة شيعية للحكم، أقرب إلى النموذج الإيراني القائم على ولاية الفقيه.
الدولة والنظام السياسي
وعن الدولة والنظام السياسي، يشير البرنامج إلى أن الإسلام رسخ نموذجا للدولة، وهو قول مردود عليه، فالإسلام لم يفرض نموذجا محددا للدولة، ولم يرد في القرآن أو السنة نصا يحدد ملامح هذه الدولة ونظامها السياسي، وكان أجدر بالجماعة أن تراجع أدبيات الحركة الإسلامية في هذا المجال، ومنها حزب العدالة والتنمية.
ويرى الباحث أن هناك استخداما عشوائيا لمصطلحات خصائص الدولة وفقا للتصور الإسلامي، فتعريف الدولة بأنها دولة مواطنة هو تعريف فضفاض لا يجيب على أسئلة كثيرة مطروحة على الجماعة، مثل تولي المرأة أو النصراني منصب رئاسة الدولة، بوصفهما مواطنين مصريين.
أما الدولة الدستورية حسبما يحددها البرنامج، فهي تتعارض شكلا وموضوعا مع ما طرحه البرنامج في بند الأسس والإستراتيجيات حين تحدث عن إقامة هيئة علماء.
وفي البرنامج خلط كبير بين مفهوم الشورى والديمقراطية، ويتساءل العناني: ما هي قواعد الشورى التي يمكن تطبيقها في شئون إدارة الحكم، وإذا كان لا فرق بين المفهومين - حسب الجماعة - فلماذا الإصرار على استخدام مصطلح الشورى بدلاً من الديمقراطية؟.
وتمنى الباحث على الجماعة قراءة ما كتبه أقرانهم في هذا المجال، أمثال راشد الغنوشي، وحسن الترابي، وسعد الدين العثماني، أو ما اجتهد فيه علماء مثل يوسف القرضاوي، وطارق البشري، وسليم العوا.
ويتوقف الباحث عند "الوظيفة الدينية" التي تحدث عنها البرنامج قائلاً: "ابتكر العقل الإخواني وظائف جديدة للدولة المدنية، وهي "الوظيفة الدينية" وهذا المصطلح يبعث في النفس هواجس كثيرة، إذ سيرسخ استخدام هذا المصطلح في الأذهان أن الإخوان يسعون إلى تأسيس حزب ذي "مرجعية دينية" وليست "إسلامية"، كما أنه بالنظر إلى الوظيفة الدينية تبدو الصورة قاتمة للغاية، فالبرنامج يحدد الوظيفة "الدينية" الأولى للدولة الإسلامية في حماية وحراسة الدين، وفيها يقرر البرنامج ضرورة حماية الدولة الإسلامية لممارسة العبادات، وإزالة ما يعترضها، وأن يقوم رئيس الدولة ورئيس الوزراء بالتأكد من تحقق ذلك!! وهو ما يدفع ضمنا لتفعيل مبدأ "الحسبة".
وتأكيد البرنامج على أنه لكي يكون رئيس الدولة ورئيس الوزراء قادريْن على تفعيل مبدأ "الحسبة" فلا بد من أن يكونا عالمين بأمور الدين؛ حتى يمكن لأي منهما تطبيقها، ويعفي البرنامج غير المسلم من هذه المهمة على اعتبار أنه غير متفقه في الدين، وبالتالي لن يحق لأي شخص غير متفقه في الدين الترشح لهذين المنصبين، ولن يحق لأي شخص خارج المؤسسة الدينية تولي هذين المنصبين.
ويؤكد الباحث أن الجماعة في حديثها عن النظام السياسي حاولت التخلص من عيوب النظام السياسي القائم في مصر، بإزالة كافة القيود التي تعترض طريق الجماعة في ممارسة العمل السياسي، سواء من حيث منظومة الحريات (أحزاب، صحافة، إعلام) أو من ناحية المحاسبة والمساءلة وتصفية ملفات الفساد، أومن حيث إنهاء احتكار الحزب الحاكم للسلطة، وإجراء انتخابات حرة نزيهة.
السياحة والاقتصاد
وتنتقد الدراسة وضع نص في البرنامج يفرض على السياح احترام وعادات وتقاليد الشعب المصري، أو التعرف على ضوابط الشريعة الإسلامية قبل أن تطأ أقدامهم أرض مصر، وتتساءل الدراسة: كيف سيضمن الإخوان عدم انتهاك الأجانب للسلوك الإسلامي؟.
ووصف الباحث مصطلح "مرجعية النظام الاقتصادي الإسلامي" بالحجر الأصم الذي تم حشره كي يتناغم مع مصطلحات "وظائف دينية" و"دولة إسلامية" و"مرجعية مقاصد"... إلخ.
وينتقد العناني إلغاء البورصة وسوق الأوراق المالية دون وضع بديل، كما أن رفض سعر الفائدة كنظام لإدارة الأصول والأرباح يتطلب وضع أداة بديلة عملية ومناسبة يمكن التعاطي من خلالها مع مسائل الادخار والاستثمار.
وحول تنفيذ الحدود في العقوبات التي وردت في البرنامج، يتساءل الباحث: هل الظروف الحالية ملائمة لتفعيل نظام الحدود؟ وكيف يمكن تكييف العلاقة القضائية بين نظام الحدود والقوانين المدنية الحديثة؟.
استخلاصات
وخلص الباحث إلى مجموعة من الاستخلاصات، منها:
- البرنامج لا يتلاءم مع التاريخ الطويل للإخوان.
- أبرز البرنامج غموض الفكرة الديمقراطية لدى الإخوان، كما كشف غياب المشروع الفلسفي (التنويري) لدى الجماعة، والاهتمام بالفرعي على حساب الجوهري.
- كان الأجدى للإخوان أن يكون البرنامج شعبيا لا نخبويا.
- يبدو البرنامج خليطا من أفكار ورؤى جامدة، وهو ما يشكل صعوبة في تسكين الحزب الإخواني ضمن نموذج للتيار الإسلامي، حيث يتراوح النموذج بين نموذجين كلاهما أسوأ من الآخر، هما النموذج الإيراني (بالحديث عن ولاية الفقهاء)، ونموذج طالبان (بتطبيق مبدأ الحسبة)، وكنا ننتظر نموذجا يقترب من نموذج رجب طيب أردوغان في تركيا.
وطالب الباحث الإخوان بدفع فاتورة تأسيس حزب سياسي، من خلال القيام بعمل إصلاحات جذرية في الجماعة من أجل تحويلها من جماعة دينية (دعوية) حسبما تؤمن بذلك شريحة واسعة من أعضائها، إلى جماعة سياسية بحتة لا مكان فيها للوعظ والإرشاد، مطالبا الجماعة بتطوير التراث الموروث عن الإمام حسن البنا، وإعادة تقديمه بشكل يتناسب مع واقع وظروف عام 2007، بدلاً من الوقوف عند عام 1938 الذي شهد التأسيس الحقيقي للجماعة في مؤتمرها الخامس.
سيناريوهات محتملة
وأخيرا تضع الدراسة عددا من السيناريوهات للعلاقة بين الحزب والجماعة:
السيناريو الأول: التحول كليا إلى حزب سياسي، مع وجود جمعية أهلية تمارس دورا اجتماعيا واقتصاديا، ليس لها علاقة بالحزب، وهذا السيناريو يلقى تأييدا من التيار الإصلاحي داخل الجماعة، وهو تيار ضعيف.
السيناريو الثاني: أن تظل الجماعة جسدا برأسين ؛ بتأسيس حزب يكون جزءا من الجماعة، وليس مفصولا عنها، وذلك بشكل مؤقت إلى أن تصبح هناك حياة ديمقراطية سليمة في مصر، حينئذ يمكن أن تتحول الجماعة كلية إلى حزب.
السيناريو الثالث: حزب من داخل الجماعة - على غرار التجربة الأردنية - بحيث يكون الحزب جزءا من الجماعة وبشكل مستمر ودائم، كما لو كان ذراعها السياسي، وهذا السيناريو تؤيده غالبية القيادات المحافظة في الجماعة.
وهناك سيناريو بديل للسيناريوهات السابقة، وهو سيناريو حزب العدالة والتنمية المغربي الذي انبثق عن جمعية التوحيد والإصلاح المغربية عام 1998، حيث تمر الجماعة بمرحلة انتقالية تبدأ بصيغة جمعية أهلية، إلى أن يتم تغيير البنى الفكرية والتنظيمية والهيكلية للجماعة، بحيث يصبح أعضاؤها مؤهلين للانخراط في بناء حزب سياسي على أسس مدنية وليست دينية، وحتى حدوث مثل هذه الانفراجة يمكن للجماعة العمل على تأهيل و"تسييس" أعضاءها كي يصبحوا أكثر قدرة على إدراك كلفة العمل السياسي بأبعاده النظرية والعملية.

No comments: